.تفسير الآية رقم (38):
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)}{السماوات} {لاعِبِينَ}(38)- يُنَزِّهُ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ عَنِ اللَّعِب والعَبَثِ وَالبَاطِلِ، فَيَقُولُ إِنَّهُ لم يَخْلُقِ الخَلْقَ عَبَثاً وَدُونَ حِكْمَةٍ، كَأَنْ يُوجِدهُمْ ثُمَّ يُفْنِيهِمْ دُونَ امتِحَانٍ وَابِتلاءٍ، وَدُونَ مُجَازاةٍ عَلَى العَمَلِ، إِنْ خَيْراً فَخَيراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً.
.تفسير الآية رقم (39):
{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)}{خَلَقْنَاهُمَآ}(39)- إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلقِ الخَلْقَ إِلا لِحكْمةٍ مَقْصُودَةٍ، وَذلِكَ لِيَدُلَّ النَّاسَ بِخَلْقِهِمْ عَلَى وُجُودِ الخَالِق وَوَاحدَانِيَّتِهِ، وَوُجُوبِ الإِطَاعَةِ وَالإِنَابَةِ إِلَيهِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ المُشْرِكينَ لا يَعْلَمُونَ، وَلذلِكَ فَإِنَّهُمْ لا يَخَافُونَ مِنْ سُخْطِهِ عَلَيهم لما يَجْتَرِحُونَهُ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَهُم لا يَرْجونَ ثَوابَهُ عَلَى مَا يَفْعلُونَه مِنْ خَيرٍ.
.تفسير الآية رقم (40):
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)}{مِيقَاتُهُمْ}(40)- إِنَّ يَومَ القِيَامَةِ الذِي يَفْصِلُ اللهُ تَعَالى فِيهِ بَينَ الخَلائِقِ، فَيُحِقُّ الحَقَّ وَيُبطِلُ البَاطِلَ، هُوَ آتٍ لا مَحَالَةَ، وَهُوَ مَوعِدُ حِسَابِهِمْ وَجَزَائِهِمْ عَلَى مَا عَمِلُوا في الدُّنيا مِنْ خَيرٍ وَمِنْ شَرٍّ.يَوْمَ الفَصْلِ- يَوْمَ القِيَامَةِ والحِسَابِ.
.تفسير الآية رقم (41):
{يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)}(41)- وَفي ذَلِكَ اليَومِ تَتَقَطَّعُ الأَسبابُ بينَ النَّاسِ، فَلا يَسْألُ فيهِ قَريبٌ عَنْ قَريبٍ، وَلا يَنْفَعُ النَّاسَ إِلا عَمَلُهُمْ، وَلا يَدْفَعُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيئاً مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَلا يَنْصُرُ القَرِيبُ قَريبَهُ، وَلا يَنْصُرُه أَحَدٌ مِنْ بأسِ اللهِ.لا يُغْني مَولىً- لا يَدفَعُ صَدِيقٌ أَو قَريبٌ.
.تفسير الآية رقم (42):
{إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)}(42)- وَلا يَنْفَعُ النَّاسَ في ذلكَ اليَومِ إِلا رَحْمَةُ اللهِ، فَمَنْ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ لا يَحتَاجُ إِلى قَريبٍ يَدْفَعُ عَنْهُ، وَلا إِلى نَاصِرٍ يَنْصُرهُ، واللهُ تَعَالَى هُوَ العَزيزُ في انتِقَامِهِ مِنْ أَعدائِهِ، الرَّحيمُ بأَولِيائِهِ وأَهلِ طَاعَتِهِ.
.تفسير الآية رقم (43):
{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)}{شَجَرَةَ}(43)- الزَّقُومُ ثَمَرُ شَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ تَخرُجُ في أَصْلِ النَّارِ وَثَمَرُهَا كَريهٌ، وَلكِنَّ أَهْلَ النَّارِ لا يَجِدُونَ مَا يَأَكُلُونَ غَيرَه لذلِكَ فإِنَّهمُ يضْطَرُّونَ إِلى أَكْلِهِ وَهُمْ كَارِهُونَ.شَجَرةَ الزُّقُّومِ- شَجَرٌ يَنْبُتُ فِي النَّارِ.
.تفسير الآية رقم (44):
{طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)}(44)- وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى إِنَّ مَصِيرَ الكَافِرِ الكَثيرِ الذُّنُوبِ والآثَامِ (الأَثِيمِ) يَكُونَ إِلى نَارِ جَهَنَّم، وَإِنَّ طَعَامَه سَيَكُونُ مِنْ شَجَرةِ الزُّقُّومِ.
.تفسير الآية رقم (45):
{كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)}(45)- وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى إِنَّ ثَمرَ الزَّقُّومِ يَكُونُ كَعَكَرِ الزِّيتِ الأَسْوَدِ، وَهُوَ يَغْلي فِي بُطُونِ آكِليهِ بِفِعلِ حَرَارةِ الجَحِيمِ.المُهْلِ- دَردِيِّ الزَّيتِ- عَكَرهِ- ذَوْبِ المَعَادِنِ.
.تفسير الآية رقم (46):
{كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)}(46)- كَمَا يَغْلِي المَاءُ الشَّدِيدُ الحَرَارةِ الذِي بَلَغَ النِّهَايَةَ في الغَلَيانِ.الحَمِيمِ- الماءِ الذِي بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي الحَرَارةِ.
.تفسير الآية رقم (47):
{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)}(47)- وَيُقَالُ للزِّبَانِيةِ مِنْ حَرَسِ جَهَنَّمَ: خُذَوا هذا المُجْرِمَ الأَثِيمَ فَادْفَعُوهُ دَفْعاً بِغلْظَةٍ وَعُنْفٍ إِلى وَسَطِ نَارِ جَهَنَّمَ لِينَالَ جَزَاءَهُ عَلَى كُفْرِهِ وَآثامِهِ.اعتِلُوهُ- ادفَعُوهُ أَوْ جُرُّوهُ بغلْظَةٍ وَعُنْفِ.سَوَاءِ الجَحِيمِ- وَسَطِهَا.
.تفسير الآية رقم (48):
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)}(48)- وَيُقَالُ لِحَرَسِ جَهَنَّمَ مِنَ المَلائِكَةِ: بَعْدَ أَنّْ تُدْخِلُوهُ وَسَطَ الجَحِيمِ، صُبُّوا فَوْقَ رَأسِهِ مِنَ الماءِ الشَّديدِ الحَرَارَةِ زِيَادَةً في العَذَابِ الحَمِيمِ- المَاءِ الذِي بَلَغَ النِّهايَةَ فِي الحَرَارةِ.
.تفسير الآية رقم (49):
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}(49)- وَبَعْدَ إِدخَالِهِ إِلى سَوَاءِ الجَحِيمِ، وَصَبِّ الحَمِيمِ فَوْقَ رَأْسِهِ، يُقَالُ لَهُ عَلَى سَبيلِ التَّقرِيعِ والاسْتِهزاءِ بِهِ: ذُقْ هذا العَذَابَ المُذِلَّ المُهِينَ اليَومَ، فإِنَّكَ كُنْتَ فِي الدُّنيا تَزْعُمُ أَنَّكَ العَزِيزُ في قَومِكَ، الكَريمُ في حَسَبِكَ.
.تفسير الآية رقم (50):
{إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}(50)- وهذا العَذَابُ المُذِلُّ المُهِينُ، الذِي تَتَذَوَّقُونَ طَعْمَهُ اليَوْمَ، هُوَ العَذَابُ الذِي كُنتُم تَتَشَكَّكُونَ فِيهِ يَوْمَ كُنتُم في الدُّنيا، ولا تَعْتَقِدُونَ أَنَّ المُكَذِّبِينَ سَيُلاقُونَ شيئاً مِنْهُ، فَهَا أَنتُمْ قَدْ لَقيتُمُوهُ اليَوْمَ فَذُوقُوهُ.بِهِ تمترُونَ- تُجَادِلُونَ فِيهِ وتُمَارُون.
.تفسير الآية رقم (51):
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)}(51)- وَبَعدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الأَشْقِياءَ وَحَالَهم يَوْمَ القِيَامةِ، وَمَا يُلاقُونَهُ مِنْ أهوالٍ وعَذابٍ، أَتبَع ذَلِكَ بِبيَانِ حَالِ المؤْمِنينَ الصَّالِحِينَ في ذَلِكَ اليَومِ الشَّدِيدِ الهَوْلِ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الذِينَ اتَّقُوا اللهَ في الدُّنيا سَيكُونُونَ في مَكَانٍ يُقِيمُونَ فيهِ، وَيَأْمَنُونَ فيهِ المَوْتَ وَالهَمَّ والحُزْنَ والعَذَابَ.
.تفسير الآية رقم (52):
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)}{جَنَّاتٍ}(52)- وَسَيكُونُونَ في حَدَائِقَ وَارِفَةِ الظِّلالِ، كَثِيرَةِ الفَواكِهِ، كَثِيرةِ المِياهِ، وَالأنهارُ تَسْرَحُ في أَرْجَائِها، وَسَيكُونُ لَهُمْ حَقُّ التَّمتُّعِ بِجَميعِ ما فِيها منَ النَّعِيم بِدُونِ حِسَابٍ ولا تَحدِيدٍ.
.تفسير الآية رقم (53):
{يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)}{مُّتَقَابِلِينَ}(53)- ويَلبَسُونَ، وَهُم في هذا النَّعِيمِ، ثِيَاباً مِنَ الحَريرِ الرَّفِيعِ (سُنَدُسٍ)، وَثِيَاباً مِنْ قماشٍ مُزَيَّنٍ بأَشْياءَ ذَاتِ بَريقٍ وَلَمَعَانٍ (إِستَبْرَقٍ)، وَيَجْلِسُونَ في الجَنَّةِ عَلَى سُرُرٍ وَهُمْ مُتَقَابِلُونَ شَأْنَ المُتَحَابِّينَ الذِينَ يُقْبِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ في الحَدِيثِ، وَذلِكَ زِيَادَةً في الإِينَاسِ.السُّندُسُ- رَقِيقُ الدِّيبَاجِ.الإِسْتَبْرَقُ- الثِّيابُ ذَاتُ اللمَعَانِ وَالبَريقِ، وقيل إِنَّهُ غَلِيظُ الدِّيبَاجِ.
.تفسير الآية رقم (54):
{كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)}{زَوَّجْنَاهُم}(54)- وَفَوْقَ هذا العَطَاءِ الكَرِيمِ فإِنَّ اللهَ تَعَالى مَنَحَهُمْ زَوْجَاتٍ حِسَاناً وَاسِعَاتِ العُيُون (عِينٍ).زَوَّجْنَاهُمْ- قَرَنَّاهُمْ.
.تفسير الآية رقم (55):
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)}{فَاكِهَةٍ} {آمِنِينَ}(55)- وَيَطلُبُونَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ أَنواعِ الفَاكِهَةِ وَهُمْ آمِنُونَ مِنْ أَنْ تَنْقَطِعَ عَنْهُم، وَمِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنْها أذًى.يَدْعُونَ- يَطْلُبُونَ وَيَتَمَنَّوْنَ.
.تفسير الآية رقم (56):
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)}{وَوَقَاهُمْ}(56)- وَلا يَخْشَوْنَ في الجَنَّةِ مَوْتاً أَبَداً، بَعْدَ أَنْ ذَاقُوا، طَعْمَ المَوْتَةِ الأُولى حِينَ انْقِضَاءِ آجَالِهمْ فِي الحِيَاةِ الدُّنيا، وَقَدْ وَقَاهُمُ اللهُ وَنَجَّاهُمْ مِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ الأَلِيمِ.
.تفسير الآية رقم (57):
{فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)}(57)- وَقَدْ أَنْجَاهُمُ اللهُ تَعَالى مِنْ عَذابِ الجَحِيمِ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفِ المَوْتِ تَفَضُّلاً مِنْهُ عَلَيهِمْ، وَإِحسَاناً مِنْهُ إِليهِمْ، وهذا الذِي فَازَ بِهِ هؤلاءِ الكِرامُ البَرَرَةُ، مِنْ عَطَاءِ رَبِّهِمْ، وَفَضْلِهِ، وَكَرمِهِ، هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ.
.تفسير الآية رقم (58):
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)}{يَسَّرْنَاهُ}(58)- وَقَدْ جَعَلْنا هذا القُرآنَ سَهْلاً وَاضِحاً جَلِيّاً، وَأَنْزَلْنَاهُ بِلِسَانِكَ وَلِسَانِهِمْ لَعَلَّهم يَفْهَمُونَ مَعَانِيَهُ، وَيُدْرِكُونَ مَرَامِيَهُ فَيُؤْمِنُوا بِهِ، وَيُذْعِنُوا لِلْحَقِّ.
.تفسير الآية رقم (59):
{فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}(59)- فَانْتَظِرْ مَا يَحِلُّ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ مَا يَحْلُّ بِكَ، وَسَيَعْلَمُونَ لمنْ يَكُونُ النّصْرُ والغَلَبةُ والظَّفَرُ، وَعُلُوُّ الكَلِمَةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ.فَارتَقِبْ- فَانتَظِرْ مَا يَحِلُّ بهمُ.إِنَّهُمْ مُرتَقِبُونَ- إِنَّهمْ مُنْتَظِرُونَ مَا يَحِلُّ بِكَ.
.سورة الجاثية:
.تفسير الآية رقم (1):
{حم (1)}(حَا. مِيمْ)(1)- اللهُ أَعْلَمُ بِمُرادِهِ.
